الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الثعلبي: {أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ} يعني نفسه {لِيُنذِرَكُمْ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ} يعني أهلكهم بشركاء منهم {وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً} أي طولا وشدّة وقوّة.قال مقاتل: طول كل رجل أثنا عشر ذراعًا، ابن عباس: تمثّل ذراعًا وقال الكلبي: كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستّين ذراعًا. أبو حمزة الثمالي سبعون ذراعًا. ابن عباس: ثمانون، وهب: كان رأس أحدهم مثل قبة عظيمة وكان عين الرجل يفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم {فاذكروا آلاءَ الله} نعم الله واحدها إلْ وإلي وإلو وإلى كالآناء واحدها إنى وإني وإنو وأني {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. اهـ..قال الماوردي: قوله عز وجل: {... وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}.فيها قولان:أحدهما: القوة، قاله ابن زيد.والثاني: بسط البدن وطول الجسد، قيل: إنه كان أقصرهم طولًا اثني عشر ذراعًا.{فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ} معناه نعم الله، وقال الشاعر:. اهـ. .قال ابن عطية: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}.قد تقدم القول في مثل {أو عجبتم} والذكر لفظ عام للمواعظ والأوامر والنواهي، وقوله تعالى: {اذكروا} الآية، تعديد للنعم عليهم، و{خلفاء} جمع خليف كظريف وظرفاء، وخليفة جمع خلائف، والعرب تقول خليفة وخليف، وأنشد أبو علي:قال السدي وابن إسحاق: والمعنى جعلكم سكان الأرض بعد قوم نوح، وقوله: {وزادكم في الخلق بصطة} أي في الخلقة، والبصطة الكمال في الطول والعرض، وقيل زادكم على أهل عصركم، قال الطبري: المعنى زادكم على قوم نوح وقاله قتادة.قال القاضي أبو محمد: واللفظ يقتضي أن الزيادة هي على جميع العالم، وهو الذي يقتضي ما يذكر عنهم، وروي أن طول الرجل منهم كان مائة ذراع وطول أقصرهم ستون ونحو هذا. والآلاء: جمع إلا على مثال معي، وأنشد الزجّاج: [للأعشى] وقيل واحد الآلاء ألا على مثال قفى وقيل واحدها إلى على مثال حسى وهي النعمة والمنة، و{تفلحون}: معناه تدركون البغية والآمال، قاله الطبري وعاد هؤلاء فيما حدث ابن إسحاق من ولد عاد بن إرم ابن عوص بن سام بن نوح، وكانت مساكنهم الشحر من أرض اليمن وما والى حضرموت إلى عمان، وقال السدي وكانوا بالأحقاف وهي الرمال، وكانت بلادهم أخصب بلاد فردها الله صحارى، وقال علي بن أبي طالب: إن قبر هود عليه السلام هنالك في كثيب أحمر يخالطه مدرة ذات أراك وسدر، وكانوا قد فشوا في جميع الأرض وملكوا كثيرًا بقوتهم وعددهم وظلموا الناس، وكانوا ثلاث عشرة قبيلة، وكانوا أصحاب أوثان منها ما يسمى صداء ومنها صمودا ومنها الهنا فبعث الله إليهم هودًا من أفضلهم وأوسطهم نسبًا فدعاهم إلى توحيد الله وإلى ترك الظلم.قال ابن إسحاق: لم يأمرهم فيما يذكر بغير ذلك فكذبوه وعتوا واستمر ذلك منهم إلى أن أراد الله إنفاذ أمره أمسك عنهم المطر ثلاث سنين، فشقوا بذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا أهمهم أمر فزعوا إلى المسجد الحرام بمكة فدعوا الله فيه تعظيمًا له مؤمنهم وكافرهم، وأهل مكة يومئذ العماليق وسيدهم رجل يسمى معاوية بن بكر، فاجتمعت عاد على أن تجهز منهم وفدًا إلى مكة يستسقون الله لهم، فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعثيل بن ضد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير، وكان هذا مؤمنًا يكتم إيمانه وجلهمة بن الخبيري في سبعين رجلًا من قومهم، فلما قدموا مكة نزلواعلى معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجًا من الحرم فأنزلهم وأقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتا معاوية، ولما رأى معاوية إقامتهم وقد بعثهم عاد للغوث أشفق على عاد وكان ابن أختهم كلهدة بن الخبير أخت جلهمة، وقال هلك أخوالي وشق عليه أن يأمر أضيافه بالانصراف عند فشكا ذلك إلى قينة فقالت له اصنع شعرًا نغني به عسى أن ننبههم فقال: [الوافر] فغنت به الجرادتان فلما سمعه القوم قال بعضهم يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم فادخلوا هذا الحرم وادعوا لعل الله يغيثهم فخرجوا لذلك فقال لهم مرثد بن سعد إنكم والله ما تسقون بدعائكم، ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم به سقيتم، وأظهر إيمانه يؤمئذ فخالفه الوفد، وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مرثدًا ولا يدخل معنا الحرم، فإنه قد اتبع هودًا ومضوا إلى مكة فاستسقى قيل بن عنز، وقال يا إلهنا إن كان هود صالحًا فاسقنا فإنّا قد هلكنا، فأنشأ الله سحائب ثلاثًا بيضاء وسوداء، ثم ناداه مناد من السحاب يا رمادًا رمددًا لا تبقي من عاد أحدًا، لا والدًا ولا ولدًا، إلا جعلتهم همدًا، وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث، فلما رأوها قالوا هذا عارض ممطرنا، حتى عرفت أنها ريح امرأة من عاد يقال لها مهد، فصاحت وصعقت فلما أفاقت قيل لها ما رأيت؟ قالت رأيت ريحًا كشهب النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم ثمانية أيام حسومًا وسبع ليال، والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدًا إلا هلك، فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من الريح إلا ما يلتذ به.قال القاضي أبو محمد: وهذا قصص وقع في تفسير مطولًا، وفيه اختلاف فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز وفي خبرهم أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة وترفع الظعينة عليها المرأة، حتى تلقيها في البحر، وفي خبرهم أن اقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر، فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع، وقال زيد بن أسلم: بلغني أن ضبعًا ربت أولادها في حجاج عين رجل منهم وفي خبرهم، أن الله بعث لما هلكت عاد طيرًا وقيل أسدًا فنقلت جيفهم حتى طرحتها في البحر، فذلك قوله: {فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} [الأحقاف: 25] في بعض ما روي من شأنهم: أن الريح لم تبعث قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها تمت على الخزنة فغلبتهم فذلك قوله: {أهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: 6] وروي أن هودًا لما هلكت عاد نزل بمن آمن معه إلى مكة فكانوا بها حتى ماتوا، فالله علم أي ذلك كان. اهـ. .قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء}.ذكَّرهم النعمة حيث أهلكَ من كان قبلهم، وأسكنهم مساكنهم.{وزادكم في الخلق بسطة} أي: طولًا وقوَّة.وقال ابن عباس: كان أطولُهم مائةَ ذراع، وأقصرُهم ستينَ ذراعًا، قال الزجاج وآلاء الله: نعمه واحدها: إلى قال الشاعر:ويجوز أن يكون واحدها إلْيًا وأَلى. اهـ. .قال القرطبي: قوله تعالى: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ}.{خلفاء} جمع خليفة على التذكير والمعنى، وخلائف على اللفظ.منّ عليهم بأن جعلهم سُكَّان الأرض بعد قوم نوح.{وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَسْطَةً} ويجوز بصطة بالصاد لأن بعدها طاء؛ أي طولًا في الخلق وعظم الجسم.قال ابن عباس: كان أطولهم مائة ذراع، وأقصرهم ستين ذراعًا.وهذه الزيادة كانت على خلق آبائهم.وقيل: على خلق قوم نوح.قال وهب: كان رأس أحدهم مثل قبة عظيمة، وكان عين الرجل يفرخ فيها السباع، وكذلك مناخرهم.وروى شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: أن كان الرجل من قوم عاد يتخذ المِصراعين من حجارة لو اجتمع عليها خمسمائة رجل من هذه الأمّة لم يطيقوه، وأن كان أحدهم ليغمِز برجله الأرض فتدخل فيها.{فاذكروا آلاءَ الله} أي نِعم الله، واحدها إِلًى وإليٌ وإلْوٌ وأَلًى.كالآناء واحدها إِنًى وإِنْيٌ وإِنْوٌ وأَنًى.{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} تقدّم. اهـ..قال الخازن: {أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم} يعني أعجبتم أن أنزل الله وحيه على رجل تعرفونه لينذركم بأس ربكم ويخوفكم عقابه {واذكروا إذ جعلكم خلفاء بعد قوم نوح} يعني واذكروا نعمة الله عليكم إذا أهلك قوم نوح وجعلكم تخلفونهم في الأرض {وزادكم في الخلق بسطة} يعني طولًا وقوة.قال الكلبي والسدي: كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة القصير ستين ذراعًا وقيل سبعين ذراعًا.عن ابن عباس رضي الله عنهما ثمانين ذراعًا وقال مقاتل: اثني عشر ذراعًا وقال وهب: كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة {فاذكروا آلاء الله} يعني نِعَم الله وفيه إضمار تقديره فاذكروا نعمة الله عليكم واعملوا عملًا يليق بذلك الإنعام وهو أن تؤمنوا به وتتركوا ما أنتم عليه من عبادة الأصنام {لعلكم تفلحون} يعني لكي تفوزوا بالفلاح وهو البقاء في الآخر. اهـ..قال أبو حيان: {أوعجبتم أن جاءكم ذلك من ربكم على رجل منكم لينذركم}.أتى هنا بعلة واحدة وهي الإنذار وهو التخويف بالعذاب واختصر ما يترتب على الإنذار من التقوى ورجاء الرحمة.{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} أي سكان الأرض بعدهم قاله السدّي وابن إسحاق، أو جعلكم ملوكًا في الأرض استخلفكم فيها قاله الزمخشري، وتذكير هود بذلك يدلّ على قرب زمانهم من زمان نوح لقوله: {من بعد قوم نوح} و{إذ} ظرف في قول الحوفي فيكون مفعول {اذكروا} محذوفًا أي واذكروا آلاء الله عليكم وقت كذا والعامل في {إذ} ما تضمنه النعم من الفعل وفي قول الزمخشري {إذ} مفعول به وهو منصوب باذكروا أي اذكروا وقت جعلكم.{وزادكم في الخلق بسطة} ظاهر التواريخ أنّ البسطة الامتداد والطول والجمال في الصور والأشكال فيحتمل إذ ذاك أن يكون الخلق بمعنى المخلوقين ويحتمل أن يكون مصدرًا أي وزادكم في خلقكم بسطة أي مد وطول حسن خلقكم قيل: كان أقصرهم ستين ذراعًا وأطولهم مائة ذراع قاله الكلبي والسدّي، وقال أبو حمزة اليماني: سبعون ذراعًا.وقال ابن عباس ثمانون ذراعًا.وقال مقاتل: اثنا عشر ذراعًا.وقال وهب: كان رأس أحدهم مثل القبة العظيمة وعينه تفرخ فيها الضباع وكذلك منخره وإذا كان الخلق بمعنى المخلوقين فالخلق قوم نوح أو أهل زمانهم أو الناس كلهم أقوال، وقيل: الزيادة في الإجرام وهي ما تصل إليه يد الإنسان إذا رفعها، وقيل الزيادة هي في القوة والجلادة لا في الإجرام.وقيل: زيادة البسطة كونهم من قبيلة واحدة مشاركين في القوة متناصرين يحبّ بعضهم بعضًا ويحتمل أن يكون المعنى {وزادكم بسطة} أي اقتدارًا في المخلوقين واستيلاء.{فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون} ذكرهم أولًا بإنعامه عليهم حيث جعلهم خلفاء وزادهم بسطة وذكرهم ثانيًا بنعمه عليهم مطلقًا لا بتقييد زمان الجعل واذكروا الظاهر أنه من الذكر وهو أن لا يتناسوا نعمه بل تكون نعمه على ذكر منكم رجاء أن تفلحوا وتعليق رجاء الفلاح على مجرّد الذّكر لا يظهر فيحتاج إلى تقدير محذوف بترتب عليه رجاء الفلاح وتقديره والله أعلم {فاذكروا آلاء الله} وإفراده بالعبادة ألا ترى إلى قوله: {أجئتنا لنعبد الله وحده} وفي ذكرهم {آلاء الله} ذكر المنعم عليهم المستحقّ لإفراده بالعبادة ونبذه ما سواه، وقيل: اذكروا هنا بمعنى اشكروا. اهـ.
|